مهما بلغ ذكاء الإنسان لأعلى درجاته، إلا أن درجات ذكاؤه العالية في التفكير والتحليل و ... لا يلغي حقيقة بأنه قد يكون أيضا غبي فيما يتعلق بأمور حياته وقراراته المصيرية !!
فالذكاء العقلي لا ينقذ الإنسان من قراره الغبي في أن يستمر في تعاسته وبؤسه ... نعم، فمهما بلغت الظروف من شدة وقساوة إلا أن التعاسة والشقاء هما قرارات إختيارية بإرادة الإنسان ..
العدو يعرف الثغرات الموجودة بعقولنا المسكينة، ويعرف أن الإنزلاق في الحزن والتعاسة أسهل بكثير من التطلع برجاء وفرح نحو المستقبل، لذا فهو يجس نبض فريسته .. وعندما يرى فريسته إبتلعت أول طُعم وإستلذته (نعم فالمخ يتعاون أسرع مع الأفكار السلبية من الإيجابية)؛ يبدأ في أن يملأ كأسها بأفكار تعيسة وسوداء .. فتشرب وتسكر وتترنح من فرط شقاوة وتعاسة تلك الأفكار ...
وعندما تفرع من الشرب تقدم هذه النفس المسكينة كأسها الفارغ مرة أخرى ليملأها العدو من جديد .. وفي كل مرة يغير إبليس نوع المشروب حتى يستطاب طعم الُسم للفريسة المخدوعة ... فيملأه مرة بذكريات مؤلمة .. مرة أخرى بصدمات .. مرة أخرى بمخاوف عن المستقبل وتصور تكرار الماضي .. وتظل الدائرة المفرغة تدور إلى أن يخنق ويقتل بالبطئ الفريسة المسكينة ، فالعدو لا يرحم.. يحب أن يرى فريسته معذبه وتقتل نفسها بنفسها.
بقدر مشاركتي بالحزن مع كل متألم ، وبقدر إيماني بدور المشورة في علاج ألام وصدمات الماضي، إلا أنني لن أستطيع إنكار الدور الإرادي للإنسان بفتح الباب لإبليس وللعالم الروحي بالتحكم في ذهنه؛ وبالتالي في حياته ومستقبله
حتى متى ستظل واقفا في مكانك تنتظر التعويضات من الناس الذين جرحوك ؟
حتى متى ستظل تغذي نار جرحك بمزيد من الذكريات والأسئلة التي لا إجابة لها الأن؟
حتى متى ستستسلم لصوت ذاتك المسكينة التي تنزف والتي تطالبك بجنون بأمور أكبر من إستطاعتك وإستطاعة الأخرين لتحقيقها ؟ متى سيكون لك انت السيادة على هذه الذات ؟ متى سيظهر صوتك أنت ؟
حتى متى ستظل في عداوة مع الشخص الوحيد الذي له القدرة أن يلمس جراحاتك بحب وتحنن ليغسلها ويشفيها ليسدد إحتياجاتك وليطلق جناحيك لتطير من جديد بقوة أكثر من الماضي ؟
ألا يكفي تمرمغك في وحل ألامك وشكواك من قسوة الحياة والناس؟
لك وحدك القرار أن تبقى سجينا سكيرا مترنحا من ألام الماضي ومن مخاوف المستقبل، أو أن تخرج منطلقا من جديد .. حتى لو كنت تريد ولكنك لا تستطيع؛ أطلب منه أن يعطيك قوة .. فالمفتاح في داخلك.. قوة القيامة بداخلك... فلماذا تختار الموت والتعفن في القبر؟ لماذا تختار الغباء ؟