الإنتحار الجماعي ..ما بين الحيتان والبشر !!
وكأن الصراخ المتزايد الذي أسمعه من حولي هو صرخة طفل/ه يمد يديه ويطوق أن يحمله أحد والديه ..
صرخة إشتياق إلى التعلق و إلى الإنتماء و إلى الحميمية، والذي في سبيل الحصول إليه تخلى الكثيرين عن ذواتهم الحقيقيه لعلهم في المقابل يذوقوا طعم التعلق الإنتماء والحب الأصيل Attachment & belonging & genuine love ؛ تلك الاحتياجات التي تؤخذ من الأساس من مقدمي الرعاية والتي تضمن إستمرارية الجنس البشري، بل وبقاء الطفل على قيد الحياة !!
ولكن يا للأسف ، فالكثيرين من مقدمي الرعاية لم يتم إشباعهم من الأساس بتلك الإحتياجات، مما أدى إلى عزلة .. وتفكك .. وتغرب في حياتهم بل وفي نسلهم من بعدهم !!
وبينما يحاول هؤلاء العطشى ويسعون بنهم سنوات وسنوات وراء تسديد هذه الإحتياجات (الأساسية) تخلوا بالتدريج (وبدن وعي) عن ذواتهم الأصلية ..
فأن تقبلني أهم عندي من أن أعبر عن نفسي وعن إستياءي من تصرفاتك ..
وأن تلقي لي ببواقي وقتك أفضل عندي من أن أبقى وحيداً لا يسأل في أحد !!
وأن تهينني وتجرحني يترجمه عقلي الباطن بأنه إهتمام ولكن سلبي !!
والأمثلة عديدة ..والنتيجة ؟
إتسعت فجوة الإنشقاق الداخلي ..
وتشققت أساسات الثبات النفسي ..
وتفسخت الأصالة من جذورها حتى أصبح الكثيرين يعيشون مهلهلين نتيجة الجفاف النفسي الشديد والوهن لسبب اللهث وراء ولو رشفة واحدة مما يسمونه "الحب" فإذ بهم يجدوا أنهم لم يحصلوا إلا على ماء مالح مثل ماء البحر من الأشخاص أخرين مهلهلين مثلهم .. فتتكرر دائرة مفرغة من العطش والوهن والتهلهل !!
وبدلاً من جسور التواصل علت سدود الجروح والإنغلاق النفسي .. وإرتفعت أصوات صراخ الكثيرين يشكون من ولع نيران الوحدة وعدم الإنتماء وعدم التعلق ..
فما نراه الأن ما هو إلا انعكاس لسبب التخلي عن الأصالة الحقيقة والتغرب عن النفس Authenticity & Alienation في سبيل محاولة الحصول على الإنتماء !!
وماذا يحدث إذا حاول شخص متغرب عن نفسه أن يقترب طلبا للعلاقة من شخص أخر متغرب عن نفسه لعله يجد فيه ما فقده ؟!!
النتيجة هي إنتحار جماعي !!
أيوة .. تماماً مثل ذهاب الدلافين أو الحيتان لشاطئ البحر للإنتحار الجماعي !! beached whale
ففي عالم الحيتان تعددت الأسباب العلمية وراء الإنتحار، منها إما بسبب جروح ووهن هذه الحيتان فلا يعودون قادرين على العوم فتحملها التيارات للشط، ومنها من تعرض للصدمات نتيجة أصوات التسجيل الصوتي في المحيطات والتي تسبب توتر عالي للحيتان أو أي ملوثات كيميائية ومخلفات من السفن والغواصات فتسبب تصرفات غير طبيعية أو مألوفة من الحيتان مثل محاولة الهروب من هذه الضغوط إلى للشط ولكن لأن جسمها يصير أثقل خارج المياه مما يؤدي لموتها!!
ولا يرجع الإنتحار لسبب الجروح والصدمات فقط !! فهناك عدة مصادر تلقي الضوء على أسباب أخرى للإنتحار الجماعي لابد من وقفة عندها لأنها كثيرة للدهشة ، ألا وهو "سلوك القطيع" الذي ينعكس في صورتين:
١) صورة "الرعاية الاجتماعية": وهي تلك التي تقول إن تلك الحيوانات الصحيحة والغير مجروحة تجنح (تذهب لتموت) من أجل مواصلة البقاء على صلة برفاقها من الحيوانات المريضة أو المصابة بجروح؛ سواء كانت تمت لها بصلة قرابة أو لا !!!
٢) صورة التأثر بأفراد الأسرة: ففي إحدى هذه الفصائل هناك ما يسمونه بال "الحوت الربان Pilot whale" والذي إن ذهب أحدها للإنتحار يتأثر الهيكل الإجتماعي برمته حتى أن جنوح الحيوانات المكتملة الصحة يجئ كبادرة إيثار وغيرية منها (أي الإعتناء بالأخرين خارج نفسها) حتى تواصل الإعتناء بالحيتان الأخرى المنتمية لذات أسرتها والتي تعاني من ألام أو متاعب !!
هذه السلوكيات المعقدة تتواجد فينا نحن أيضاً كبشر، فكم الشباب الذي أراه يعيش منتحرا نفسياً كصورة من صور الإعتناء بالأم التي تعيش منتحرة أو الأب المنتحر .. فمثلا يكره الإبن كيف يعيش أبوه عنيفاً مكتئبا منفصل وجدانيا عن نفسه وعن الأسرة ، بل ويسعى ذلك الإبن (أو الإبنة) لطلب العلاج النفسي لعلهم يخرجوا من جو الإكتئاب الذي تغلغل بداخلهم؛ وإذ بهم يجدون أنفسهم يعيشون بنفس طريقة الأب .. غير قادرين على الحياة أو الاستمتاع بأي شيء لأن هكذا عقلهم الباطن صور لهم أن هذه هي الطريقة التي بها يكرمون والديهم (أو الذي يتألم فيهم!!) ، أو بلغة أخرى: وكأن محاولة العيش بعيداً عن اكتئاب الوالد أو الوالدة أو خارج إضطراباتهم نوع من الخيانة للأسرة أو نوع من الخيانة وعدم الإهتمام بهم فيعيش الإبن بنفس الجلباب النفسي لوالده أو لوالدته!!
فالأمر ليس موضوع عدوى نفسية فحسب ..لا ..الأمر أعقد من ذلك بكثييييييير ..
و أجرؤ أن أقول أن أكثر نوعية تتأثر جدا بهذا وتأتي مجروحة بعمق هم هؤلاء الاشخاص الذين يفكرون في الآخرين أكثر من انفسهم .. الذين لديهم مثل تلك الحيتان الايثار والغيريه -أي الخروج خارج النفس والإحساس بالأخرين - ربما يطلقون عليهم الأشخاص الحساسه، ولكن لكن ليس بالمعنى السلبي الذي يعطيه المجتمع كأنهم ضعفاء!! (سأقوم بتسجيل حلقات خاصه عن هؤلاء الأشخاص الرائعين الذين يتعرضون للجروح بعمق وفي صمت ولا يأخذون حقهم بشكل كافي وسط هذا المجتمع الصاخب).
رسالة أخيرة:
نعم ما فقدته من إحتياجات أمر صعب ومؤلم وله تأثير عليك حتى ولو وصلت لسن ما بعد ال ٦٠، ولكن سعيك لتسديد احتياجاتك التي فقدتها من الأخرين لن يعمل سوى على إتساع تلك الفجوة الداخلية و الدائره المفرغه بداخلك وازدياد عطشك بل واحباطاتك من الاخرين ومن نفسك ..
ابدأ في طلب المساعده النفسيه للعمل على سد تلك الفجوه الداخليه رويداً رويداً، وبالرجوع الى نفسك - تلك النفس التي تركتها منذ زمان بعيد و ربما لا تعرف عنها شيئا - عندئذ فقط يمكننا البدء في تفكير كيفية تكوين علاقات سويه ومجتمع سوي وناضج متفتح ولا يسوقه فقط السعي لتسديد الإحتياجات؛ مما يجعله يقع فريسه في يد الأشخاص الغير أسوياء، أو ربما يجعله يجنح للإنتحار النفسي (ليس بالصورة بالموت الجسدي ولكن بقرار الإنعزال) كنوع من التعبير عن الإحباط من الأخرين !!
شفاؤك ليس خيانة لمن تحبهم والذي مازالوا يتألمون ..
شفاؤك سيبعث بحرية و بطاقة حب لهم ليقوموا بدورهم ..
ابدأ بنفسك ، أنت تستحق أن تعيش وأن تستمتع برفقة أهم شخص في حياتك .. ألا وهو انت، والباقي سيأتي في وقته إن كنت لن تكل ولن تستسلم 🌹❣️
مصادر عن إنتحار الحيتان:
#jackie_yg #hb4hl
#mentalhealth #awarness #support #transformation #beach #whales #suicide #belonging #needs #love #relationship #healing #generationalhealing
No comments:
Post a Comment