إتحاد .. أم ذوبان !!




من أكثر المواضيع حساسية في قضية العلاقات هو موضوع الفردية في مقابل الوحدة بين الشريكين ... فقبل العلاقة من المفترض أن كل من الطرفين له حياته المستقلة .. نشاطاته .. جدوله .. مواعيد نومه ... أماكنه المفضلة .. عاداته في تنفيذ بعض الأمور ... روتينه اليومي ..

وعندما تكون هناك علاقة يبدأ كل من الطرفان في التنازل عن بعض الأمور حتى يكونا معا أرضية مشتركة .. ولكن هنا تبدأ أقدام كل من الطرفان تطأ أرضية ممتلئة بالألغام المفخخة ... فإلى أي مدى يصل التنازل حتى يمكن أن نُقول انها علاقة إتحاد وشراكة حقيقية .. أم إنها ذوبان ؟؟
أمثلة:
 - عندما يضحي طرف أو كلا منهما بما إعتاد القيام به تماما ليرضي الطرف الأخر... فمثلا لو شخص يحب السهر للفجر والأخر ينام مبكرا .. هل يضحي الطرف الذي ينام مبكرا بمواعيد نومه.. وبدلا من أن يسهر قليلا ؛ يسهر لساعات متأخرة جدا لدرجة تجعل الساعة البيولوجية تضطرب .. والجهاز العصبي يشعر بالضغط والتوتر.. فيستيقظ غير قادر على التركيز في العمل وفي أداء مهامه اليومية ...بل ربما مع مرور الوقت يبدأ الإكتئاب يزحف لنفسيته ليكبلها.. وهو لا يعلم السبب بالتحديد ؟ وذلك فقط حتى يشعر الطرف الأخر السهير أن شريكه يحبه ويضحي من أجله ؟! فهل هذا إتحاد ام ذوبان ؟

- إذا كان أحد الشريكان يستطيع أن يستمتع بوقته بمفرده في حالة عدم وجود أشخاص حوله، بينما الشريك الأخر يشعر بالوحدة القاتلة ولا يستطيع الإستمتاع إلا بوجود أشخاص حوله .. فهل تضحية الطرف الأول بوقته وبأنشطته حتى يسلي ويسعد الطرف الثاني تعتبر إتحاد أم ذوبان ؟

- عندما يضحي أحد الطرفان بوقت ينهي فيه مهام مستعجلة لعمله، والأخر يشعر بالزهق ويريد الفسحة أو الخروج... هل يجب أن يضحي الطرف الأول بما يفعله لإسعاد الأخر لنقول أن روحيهما متحدة ؟ أم هذا يعتبر ذوبان؟

- عندما يفترض أحد الطرفان ان هذا هو وقت مناسب للتحدث .. ويبدأ في الحوار والإسترسال فيه دون أن يسأل الطرف الأخر هل الوقت يناسبه .. أو هل هناك وقت معين يجب أن ينهي فيه المكالمة حتى يتمكن الطرف الأخر من إنهاء مهامة .. فهل هذا إتحاد أم ذوبان ؟

- عندما يُلقي أحد الطرفان بموجات إحباطه وملله وضجره على الطرف الأخر او بمهامة التي لا يقدر أن ينجزها ويتوقع دائما من هذا الطرف ان يُخرجه من حالته وأن يمده بالطاقة الإيجابية !! فهل هذا إتحاد أم ذوبان ؟

- عندما لا يستطيع أحد الطرفان حتى أن يفكر وأن يتخذ قرارات حاسمة دون تردد دون وجود الطرف الأخر .. هل هذا إتحاد أم ذوبان ؟!

الإتحاد هو الإندماج والوحدة دون أن يفقد كل شخص هويته .. هو إيجاد أرضية مشتركة .. هو السعي معا نحو النضوج والنمو والتعافي من أي دوافع مريضة قد تؤذي العلاقة... هو السماح للأخر ان يقول لا ويعترض دون إتخاذ موقف معادي له هو الإهتمام بمشاعر الأخر والتعاطف معها دون الذوبان فيها... هو التنازل والتضحية بمحض الإرادة و لدرجة معينة حتى يسعد أحد الطرفان الأخر (مع أنه غير مٌلزم أن يفعل ذلك ولكنه يفعل ذلك بدافع الحب).

أما الذوبان هو رغبة أحد الطرفين في إبتلاع الأخر .. بأن يسفه منه ومن مهامه .. بأن يسخر من جدوله .. بأن يمتص منه كل طاقة حتى يعيش هو ويتنفس حتى ولو على حساب الأخر ... بأن يشعر بالتهميش عندما يرفض الأخر طلبه.. بأن يتهم الأخر أنه السبب في سوء حالته المزاجية ... هو مطالبة الأخر دائما بالتنازل وبالتضحية حتى ولو على حساب هذا الطرف.. بل هو عدم الشكر والعرفان لما يفعله الأخر لأنه في نظره مُطالب بأن يفعل ذلك وإلا لا يعتبر هذاالأخر يحبه !!

الحب والإتحاد لا يلغي الحدود .. لا يلغي الفردية .. لا يلغي الهوية ..
فهل أنت في علاقة إتحاد ووحدة حقيقية أم في علاقة ذوبان وإعتمادية ؟!

@ Jackie.Y.G.I

عندما نتحول إلى عمود من الملح !!



عندما نتحول إلى عمود من الملح !!

كلنا كبشر لدينا رصيد ضخم من الخبرات في العلاقات مع الأخرين .. تبدأ منذ نعومة أظافرنا من خلال علاقتنا بأسرتنا .. وتشكل هذه العلاقات شخصياتنا .. خاصة العلاقات المهمة لنا والتي تؤثر على نظرتنا لأنفسنا ..

وللأسف طبيعة الحياة التي نعيش بها تعدنا بأننا سنمر بعلاقات مشوهة تسبب لنا إيذاءات نفسية (متى مررنا بها ومستوى تشوهها ودرجة تأثيرها علينا تختلف من شخص لأخر) ... ولأننا مخلوقات علاقاتية (بخلاف الحيوانات) ، فلا شئ يعالج الجروح والتشوهات في الشخصية التي تسببتها العلاقات السابقة سوى علاقات جديدة صحية بديلة.

ولكن هنا يسقط معظمنا ولا يكمل في الطريق .. 
فهناك إغراء أن نظل ننظر إلى علاقاتنا السابقة لدرجة لا تسمح لنا بتوقع نتيجة مختلفة، فنظل نرى أنفسنا مثلما قالوا لنا، وأحيانا نبكي الأطلال، وأحيانا نخشى العلاقات الحميمة بل وقد نبتعد تماما عن الناس ،وأحيانا أخرى نتنبأ علي مستقبلنا أنه سيعطينا نفس نتائج ماضينا، بل ونسعى (بدون وعي) لضمان حدوث ذلك بتصرفاتنا المجروحة والغير متزنة ... فنصير سجناء الماضي ... ونفقد الحاضر والمستقبل، فنتحول من بشر ..من روح وحياة وحركة وديمومة إلى عمود صامت جامد من الملح !!

وهنا أيضا تقع المسئولية على عاتق الشخص نفسه ... هل سنختار أن نسلك بخوف وننظر إلى الوراء ونضيع على أنفسنا الأمور الرائعة التي أعدها الله لكل شخص فينا في المستقبل? أم سنقهر خوفنا ونسعى لمداواة جروحنا وننظر بإيمان إلى ما ينتظرنا ?! في يد كل شخص فينا أن يختار الحياة أو يختار الموت.

~ من وحية الحياة وكتاب صحة العلاقات لأوسم وصفي ~
@ Jackie.Y.G.I

Sheru the Lion شيرو الأسد



كنت اشاهد فيلم إسمه Lion مأخوذ من قصه حقيقيه عن طفل هندي ضل طريقه وتاه بعيدا عن امه وعن اخيه يدعى (سيرو) ... هذا الطفل الفائق الذكاء والذي كان يعيش في مكان بسيط للغاية ظل يترحل من مكان الى مكان، الى ان دخل مكان أشبه بالسجن ..ومن هناك تم ترحيل الى اسرة استرالية قامت بتبنيه.

تناول الفيلم ببراعة التحديات الصعبة التي واجهت هذا الطفل، ووقع هذه الأحداث المؤلمة عليه مجسده مشاعره الداخليه الحساسة والتي كانت تقفز من عيني الطفل البطل رغم صمته في أغلب المشاهد،  أيضا جسد الفيلم معاناته بعدها بعشرات السنين عندما كبر بينما ظلت خيالات وذكريات الماضي لا تفارق عقله .. حتى اصبح مشوش الذهن ومشتت ... يتواجد بجسده في الحاضر مع حبيبته ووالديه الإستراليين في الحاضر، بينما يقضي أغلب اوقاته يبحث في الماضي لعله يعثر على مكان نشأته الذي لم يجده بسهولة على خريطة جوجل لأنه كان يحفظ إسم المكان مثلما كان ينطقها بطريقته الخاطئة عندما كان طفل.

جسدت صراعات بطل القصة ما يحدث داخل نفوسنا وعقولنا ... عندما يمزقنا الماضي بسبب قصته الغير مكتملة ...او لنهايته المأساوية والتي كانت عكس توقعاتنا .. أو لشعورنا بالذنب تجاه شخص ما كنا نود ان نعبر عن مشاعرنا تجاهه .. فتظل تلك الاحداث تقفز لعقولنا .. وتنهش بالقلق والحزن والتوتر في نفوسنا لأنها لم تحمل النهاية التي أردناها أو تمنيناها ان تحدث..
فظل شيرو يبحث ويبحث ويتوه اكثر ويكتئب .. فتباعد عن حبيبته...بل وعن أمه التي قامت بتربيته والتي كانت تحبه من كل قلبها الذي تألم من حزنها على إفتقادها له ولوجوده بجانبها.
إلى ان تمكن من الوصول إلى مكان نشأته، وإستيقظت عشرات الذكريات أثناء رحلة عودته لمقابلة امه وأخيه، إلى ان وصل وتقابل مع أمه الحقيقية، بينما وجد أخوه قد فارق الحياه.

ويظهر من صاحب القصة الذي جمع ما بين أمه التي ربته و أمه الحقيقية والتي علم منها أنه كان أيضا ينطق إسمه بالخطأ (إسمه الحقيقي شيرو Sheru ..بمعنى أسد Lion ) أنه نجح في العثور على إجابات للأسئلة التي كانت تمزق ذهنه المنهك في البحث والتفكير، وأنه تمكن من كتابة الجزء المتبقي من قصة حياته بطريقة تختلف عما لو كان إستستلم ..سواء إستسلامه كطفل لظروفه الصعبة بتمكنه الهروب من أماكن خطر كثيرة، أو إستسلامه كبالغ لظروف مرفهة وسهلة .. حصل فيها على أفضل تعليم وأفضل مستوى معيشة.

وهنا توقفت لأتساءل... 
- ماذا لو كانت قصتنا مختلفة عن شيرو ..بحيث لن نتمكن من مقابلة أشخاص تركناهم في الماضي لنعيد شملنا بهم او لنعبر لهم عن مشاعرنا تجاههم?


- ماذا لو كان البحث في الماضي لن يعطينا إجابات شافية مثلما حدث مع شيرو ، بينما قد يدفع بنا إلى حافة الإكتئاب والإنهيار النفسي ?  (أقصد ألا نقول انه يجب وحتما ولابد أن نحصل على أجابات، فقد لا يحدث)


- ماذا لو سمحنا للذكريات او الاحداث المؤلمة (والتي لم نشفى منها) أن تسلب مننا جمال الحاضر ومتعته، وتجعلنا نسجن أنفسنا فيه، بل وندفن أحباؤنا الذي معنا في الحاضر أحياء ببعدنا عنهم وبعدم وجودنا بجوارهم بكل كياننا ووجداننا في كل ظروف حياتهم?

- ستبقى قصة كل شخص فينا مختلفة ومميزة بدون تكرار، ولكن ستبقى هناك حقيقية واحدة واضحة وضوح الشمس ومكررة في كل قصة، وهي:

 ربما لم تكن مسئول عما حدث لك في الماضي، او لم يكن في يدك القدرة على فعل شئ لإنهاء الأحداث كما أردت بأفضل صورة ممكنة تناسب الجميع، او كما كان سيروق لك..


لكن تذكر أنك أنت هو بطل قصتك .. أنت الذي تقرر ما ستفعله وما الذي ستتضمنه المتبقي من قصة حياتك ... طالما مازلت تتنفس، إذا مازال هناك القلم في يدك لتكتب ... لا أتحدث هنا عن دور الله في كتابة قصة حياتك وعن ضرورة تفاعلك وتعاونك معه في كتابة هذه القصة، فهذا ليس مجال حديثي الأن وإن كان هذا جزء اساسي ومحوري في تعديل مجرى الأحداث، ولكني أتحدث عن مسئوليتك في تعلمك من الماضي، وفي إتخاذك القرارات الحكيمة التي تساعدك ألا تظل حبيسا له ... قرارك بالتواجد والعيش بكل جوارحك في الحاضر .. وفي التخطيط والتصميم للوصول لأهداف سامية ونبيلة في المستقبل بإستخدام ألمك وقلمك ..

إبتسم ، فأنت مازلت تتنفس .. 
عش ، فكل يوم هدية من الخالق ..
إحلم، فليس عليك ان تظل حبيسا للماضي، تعلم منه وإنطلق لتبني جسور في الحاضر يكون لها دور فعال في المستقبل في الربط ما بين أجيال وشعوب وأجناس مختلفة.


@ Jackie.Y.G

Movie trailer :