في البداية أود أن
أقوم بإهداء هذه المقالة إلى هؤلاء:
أولاً: إلى كل من
يشق طريق أحلامه دون وجود دعم كافي، بل وفي وجود هجمات مضادة.. أنت لست وحدك.
ثانياً: إلى كل
المجروحين من أي من العاملين بالعلاج النفسي (سواء أطباء نفسيين أو أخصائيين أو
مشيرين) ...من حقك أن تشعر بالجرح وتريد أن تغلق على نفسك .. لكن أرجوك لا تقع في
فخ التعميم (بأن كلهم كدا) ولا تقتل نفسك بإنغلاقك على نفسك وعدم طلب الدعم لأن
أحدهم كان غشيم أو مضطرب أو حتى أخطأ خطأ بشري دون أن يقصد وربما أراد أن يعتذر
وأنت لم تعطه الفرصة .. فالناس مش زي
بعضها وفيه ناس كويسة.
ثالثاً: إلى كل
المسئولين وأصحاب القرارت في مجال العلاج النفسي .. لعل يكون لكم دور في إحداث تغيير إيجابي وجذري (هذا إذا قرأتم مقالي بتواضع وصدر رحب).
كدارسة ومتدربة
وباحثة في مجال علم النفس والعلوم العصبية Neurology من أماكن مختلفة منها المراكز
المعروفة ومنها الأماكن المعتمدة والمتخصصة، حاولت أن أشق طريقي لأوظف مهاراتي
ودراساتي المستمرة دون توقف لمساعدة الأخرين ولكني وجدت تحديات كثيرة في أرض صعبة
وناشفة لا تتيح هذه الفرص سوى لخريجي جامعات علم النفس أو الطب النفسي من نفس
البلد ! .. ورغم أن المتبادر إلى ذهن أي شخص أن هذه محاولات مشروعة لحماية المجال
من النصابين والمستغلين للأخرين، لكن عندما واجهت هذا التحدي إنتابني نوع من
الإحساس بالظلم والإحباط لأني بذلت مجهود لا يقل عن مجهود طالب الجامعة، فمنذ
حصولي على درجة الماجستير من إحدى الكليات من الخارج عام 2016 وأنا لم أتوقف عن
الدراسة والبحث والتمرن والأهم: التغيير في حياتي الشخصية بتفحص وتمحيص وإختبار وتطبيق ما تعلمته.
ولكن إحباطي لم يردعني
عن أن أكون أمينة في إستخدام ما لدي حتى إذا وجدت أبواب كثيرة تُغلق في وجهي؛ إلا
أنه الله كان له رأي أخر في فتح باب معين لي ليس فقط لأتمرن وأمارس وأنمو، ولكن أيضا
لأوجد وأتواجد كما أنا .. والذي يقرأ كلماتي هذه في زماننا هذا سيفهم معنى أن تجد
مكان تستطيع أن تكون فيه نفسك خاصة إذا كانت لك تجارب سابقة في أماكن مشورية شعرت
فيها وكأنك دخلت عش الدبابير حيث توجد لدغات مستترة متلاحقة مختلفة ومتنوعة جدا بل ومقنعة ومقننة ومدعومة بنظريات قد تسبب
لك التورم والتهيج لنفسيتك بدلاً من تدعيمها !
بل إحباطي تحول لشجاعة وتصميم أكبر عندما تقابلت مع صديقي الذي يشبهني كثيراً جداً (كارل روجرز) من خلال صفحات كتاباته عن نفس هذه النقطة بالتحديد ، وما يبهرني فيه أنه دائما يأخذ ما هو على قلبي ويخرجه بتعبيره الهائل في صورة كلمات على صفحات كتابه .. وهذا لأنه إختبر قبلي هذه المشاعر وتفاعل معها ولم يتجاهلها، وقرر أن يخرجها ويواجه بها العالم. (ستجدون كلماته بخصوص هذه الجزئية في الإقتباس الأول أسفل هذه المقالة: هل سنجرؤ على تجاوز المهنية؟)
أما بالنسبة
للتحدي الثاني الذي أواجهه في هذا المجال هو التعامل والإحتكاك مع الأطباء
النفسيين، الأمر الثاني الأكثر صعوبة والذي يشكل بمثابة حائط سد خفي جدا يقف كحائل
أمام الرحلة العلاجية مع العميل وذلك للأسباب التالية التي واجهتها بنفسي:
1- ما تعلمته أن
المعالج النفسي يستطيع أن يساعد الفرد الذي يواجه إضطرابات نفسية ، فهذا مجاله
وتخصصه، ولكن عندا يصل الأمر إلى إضطرابات ذهانية (مثل إختلالات كيميائية تصيب مخ
الفرد مما تتسبب له بإضطرابات تعطل حياته مثل الإكتئاب المرضي بأنواعه أو إضطرابات
تشمل الضلالات والهلاوس والإنفصال عن الواقع.. إلخ) هنا الأمر يحتاج إلى تدخل بالعلاج
الدوائي مما يستدعي وجود طبيب نفسي ... ولكن الأمر لا يجب أن يقف عند هذه النقطة، فالعلاج
هنا لا يعني الأدوية (العبارة التي قلما يقولها طبيب نفسي) .. بينما الأدوية تساعد
فقط الشخص للوصول للحالة التي تمكنه من أن يستقبل العلاج الذي يساعد على الوصول
إلى جذور الإضطراب .. وهنا يدخل العلاج النفسي الذي لا يشمل فقط العلاج بالكلام،
ولكن هناك أنواع علاجات وتقنيات كثيرة يتم توظيفها وفقاً لحالة الفرد (مثل العلاج
بالخبرة الجسدية في حالة الصدمات والتي تساهم بنسبة كبيرة في حدوث أغلب الإضطرابات،
أو العلاج بالفن أو الحركة أو التخاطب مع العقل الباطن ...إلخ) ..
والتحدي هنا أن
الكثيرين من الأطباء النفسيين لا يقرون أنهم لم يدرسوا العلاج النفسي وأن تخصصهم
هو في الشق الدوائي بينما على الفرد بجانب أخذ الأدوية أن يتوجه إلى أخصائي او معالج
نفسي أو مشير للإستعانة بخطة علاجية، عدا قلة قليلة جدا (أشكر الله أنهم موجودون)
يقرون بذلك ، او يشاركون بأنهم قاموا بدراسة العلاج النفسي ويستطيعون أن يقوموا
بالدورين (الطبيب والمشير أو الأخصائي)... فالدعوة بالتعاون بين الدائرتين هنا في غاية الأهمية لمساعدة العميل.
2- التحدي الثاني الذي
واجهته عندما كنت أحول بعض الأشخاص للطبيب النفسي أو أذهب معهم بنفسي هو ما أراه من أساليب لا إنسانية وطريقة تشييئ الشخص (تحويل الشخص إلى حالة أو شيء) والتي تظهر في طريقة التعامل
التي تشمل: عدم الإنصات و التسرع في التشخيص والقفز لكتابة الروشتة المليئة بالأدوية، فنعم قائمة المنتظرين طويلة جدا
ولكن هذا لا يبرر عدم إعطاء وقت كافي
للشخص ، ولن أتطرق كثيراً للشق المالي وإرتفاع الأسعار لأن في رأيي أن أي مهنة يمتهنها الشخص
وقد صرف عليها مبالغ طائلة من حقه أن يأخذ منها مقابل ولكن بصورة أيضا نريد أن نرى
فيها ملامح إنسانية (مثل إحترام المستوى المعيشي للفرد الذي قد لا يستطع أن يدفع،
فليس أيضا من العدل أن من ليس معه ثمن الحجز يظل أسير الإضطراب ) و أؤمن أيضاً أن هناك قلة قليلة جدا يقدمون هذا الدعم لمن يستشعرون بأنهم لن يمكنهم تحمل كل تكلفة الجلسة .
ظهر هذا التشييئ
أمامي في إحدى جلسات الإشراف التي حضرتها مؤخراً (والتي كانت من أكثر الجلسات
الثقيلة على قلبي) والتي أظهرت فيها الطبيبة النفسية هذه الجزئية ببراعة عندما
إعترضت بشدة على عبارتي أن "المشورة هي رحلة نسير فيها مع العميل" وعبَّرت
بصورة قاطعة وهادمة لرأيي (لأنها بحسب كلماتها أنها خبرة أكثر من 30 سنة في المجال
وأنا مازلت صغيرة !) وقالت: "لأ مش صح .. أنا بفضل قاعدة في الكرسي بتاعي كمعالجة
ومن مكاني بساعد العميل "!!!!!!!!!
ما قالته الدكتورة
الخبيرة المبجلة كارثة بالنسبة لي وهو أجل تعبير يوضح كيف أحياناً يتم برمجة عقل
الطبيب البشري (ليس الكل طبعا) في رؤية العميل .. فبجانب أنها كانت طوال الجلسة
تحاول دحض منهجي ومفاهيمي وأسلوبي في التعامل مع العميلة وتقديم النصائح والتشخيص بصورة
قاطعة لا تقبل الشك ولا تقبل الإختلاف (رغم نقدها ليا أني أتحدث بصورة لا تقبل
الشك مع أني أتيت للإشراف ولم أبدأ جلسات مع أي شخص قبل حصولي للإشراف لأقر
بإحتياجي لمراجعة ما أفعله من شخص أخر أكبر مني!) لكن يبدو أن فارق السن والخبرة
سبب جدال بالتحديد في مجتمعات لا تنظر للفرد كفرد له ما له من خبرة أياً كان سنين
عمره (تتفق معي أو تختلف لكني أرى أن الخبرة والحكمة لا يقاسوا بالعمر)، الأمر
الذي يشكل علينا نحن (من لم يشيب شعرهم بعد) ضغط ليس بقليل ؛ وذلك في أن نقول
أراؤنا ونعبر عن خبراتنا بتواضع ولكن بثقة وجرأة .. الأمر الذي يُساء فهمه ويثير
حساسية البعض.
إلا أن هذه
العبارة وحدها تحتاج إلى وقفة ...فما إختبرته في المشورة أنها حقاً رحلة مع العميل
.. تعملت فيها أن أتواجد مع العميل بكل كياني .. أرى العالم بعيونه .. أشعر معه
..أتفاعل معه .. قلبي ينبض سريعاً معه ..بل ويشعر بما يود أن يقوله عندما تعجز الكلمات عن التعبير .. إنها رحلة بها تناغم عجيب وعميق يسبب وجود رابط قوي
وعلاقة عميقة مميزة بين العميل والمعالج (ما يُسمى بالمواجدة Empathy) ولكني أيضا وسط كل هذا التواجد أنا مدركة أني موجودة في عالمي أنا وجسدي أنا .. أستطيع أن أحتوي وأهدئ سرعة ضربات قلبي وأن
أظبط إتزاني حتى لا أغرق في عالم العميل (ما يُسمى بالتعاطف Compassion) .. الأمر
الذي يساعدني أن أمد يد المساعدة للعميل وذلك ليس من خلال النصائح ولكن من خلال
شعوره بأن هناك -ربما لأول مرة - شخص يفهمه ويشعر به ويثق فيه .. يسير معه في هذا
الطريق المخيف ويدخل معه للغرف المظلمة التي لطالما ظل يهرب منها لأنه لم يستطع أن
يواجهها طوال هذه السنين بمفرده ! وهنا تحدث معجزات الشفاء والتغيير والتي لا تحدث
لأن المُشير أو الأخصائي حاصل على شهادات عديدة ويذهب ليطبقها بشكل جامد rigid، ولكن
لأنه بذل مجهود في العمل على نفسه من خلال إختبار وتطبيق ما قام بدراسته على حياته
هو الشخصية حتى أنه عندما يدخل الغرفة المقدسة للعلاج النفسي يستطيع أن يبذل نفسه
التي تطورت ونضجت وتفتحت لقبول أي إختلاف أو أي جروح موجودة بالعميل.
Counselling has been described as a journey whereby the client & the counselor undergo a joint process of exploration & reflection
(Thorne, 2007)
لذا لا غرابة ألا تتقبل هذه الطبيبة وصفي للرحلة المشورية لأن وصفي هذا يحتوي على مشاعر وتفاعل وأمور مجهدة لا يمكن تحقيقها وأنا جالسة على مكتبي ! (مثلما شاركتنا مشرفتي المحببة إلى قلبي عندما قرأت معلومة: أن ساعة واحدة مشورية = 8 ساعات عمل مكتبي ! 👀 )
بل لا عجب ألا تعطي نفسها فرصة لتسمعني أو تفهمني بل تقفز لأعلى لتنزل على من يعارضها بالضربة القاضية بكلمات وأحكام وطريقة تعبير تجسد إستياءها من خبرتي الضئيلة بالنسبة لها وبإتباعي لنظريات وتقنيات لا يتفقوا مع مدرستها تحت حجة أن ليس كل النظريات صحيحة ولا يجب أن نستند عليها، الأمر المتناقض تماما مع أسلوب تشخيصها للعميلة التي تحدثت عنها حيث أنها بالفعل قد إستندت على نظريات لتقوم بتشخيصها بشكل جامد دون حتى السؤال على تفاعلاتنا أو مشاعرنا التي إختبرناها داخل الجلسة .. ودون إعطاء أي إحترام أو ثقة لما إختربته أنا شخصيا ً!! ولولا المهارات التي تدربت عليها من تفنيد الكلام الذي أسمعه، ومن تطبيق ما أتعلمه في رحلة شفاءي الداخلي من إستماع لصوت حدسي والثقة أيضاً بمهاراتي (ليست ثقة عمياء ولكن ثقة صحية) والأهم الثقة بروح إلهي الذي أطلب إرشاده ومساعدته في كل جلسة ومع كل عميل؛ لولا هذا القدر من العند الصحي لكنت أخذت بتشخيص الدكتورة وكل كلامها بالحرف؛ ولكنت بالتأكيد خسرت كل ما تم بناؤه مع هذه العميلة، ففي الجلسة التالية مع هذه العميلة رأيت ثمار الرحلة المشورية من مواجدة وتفهم وتعاطف .. الأمر الذي ساعدها لتشعر بالأمان لتثق في إنسان أخر من جديد، مما ساعدها تكشف في هذا المناخ الآمن أكثر وأكثر عن نفسها التي خبأتها لسنين طويلة.
ولا غرابة أيضاً عندما
قالت لي إحدى صديقاتي عن إستياءها عندما ذهبت مرة إلى إحدى الدكاترة: "إنها
لم تفهمني ولم تشعر بي "! .. أو عندما قال لي أحدهم "هذا الدكتور غشيم
.. يجرب فيا الأدوية .. لم يهتم بظروف عملي ولا مسئولياتي .. الأهم عنده إني بس
أهدأ وأفضل نايم طول اليوم !!"
نفس هذه الحساسيات
والتي تعكس الطفولة النفسية التي واجهتها مع أحد الأطباء في إحدى المستشفيات عندما
دخل شخص ما للعلاج وكنت أقول للدكتور "هذا الشخص حساس جدا فأرجو ألا يتم
معاملته كحالة ولكن كشخص .. وهو يرتاح في الكلام معي فلو إحتاج للحديث معي أرجو
إبلاغي" و لم أفهم إبتسامة الدكتور وقتها إلى أن تفاجئت أن الدكتور وصَّل الكلام
بصورة جعلت إدارة المستشفى تقول "طيب مدخلينه المستشفى ليه لو عندكم حد من
الخارج هيعالجه !!"
مرة أخرى حتى لا
يظن القارئ أني أهاجم الأطباء النفسيين .. ولكني أسرد وقائع مؤسفة لا تعكس بالطبع
حقيقة كل الأطباء، فكما ذكرت هناك أطباء محترمين .. ولكن لم أفهم كيف للطبيب أن
يكون بهذا الإضطراب !! إلى أن جاء مرة أخرى صديقي المفضل والقريب لقلبي 'كارل
روجرز' ليجلس معي ويفهمني ما هذا الذي أواجهه بالظبط في هذه الجزئية ... وفهمت أن
هناك معركة أزلية وأتمنى ألا تكون أبدية مع الطب النفسي .. الأمر الذي تسببت فيه
الهيئات المؤسسات ذات الأسماء الرنانة والكبيرة والتي يُفرض علينا بشكل غير مباشر
أن نسعى ونتمنى أن ننتمي لها وأن تأتي إسماؤنا لتُكتب وتندرج تحت مظلتها (فُلان
عضو في الجمعية الفلانية للطب أو العلاج النفسي ) الأمر الذي أنا نفسي أعاني منه ..
فكلما كنت عضو في هذا المكان أو ذاك كلما ساهم ذلك في إرضاء العميل أو المتدرب أو المحطة
التليفزيونية ..إلخ بأنهم يعرفون مثل ذلك الفرد المبجل الذي حصل على شهادات كذا + بل
وأيضا عضواً في نقابات كذا وكذا وكذا ، ووقتها فقط يكون جدير بالثقة ويتم دعوته في أغلب الأماكن للإستشارة والتدريب !!الأمر الذي يساهم في نشر المستغلين والمضطربين المحتمين تحت مظلة شهاداتهم بغض النظر عن مستوى نضجهم النفسي !
وبخصوص هذه
الجزئية أرفق تعليق كارل روجرز (الإقتباس الثاني: المعركة مع الطب النفسي)، والتي
أتمنى أن أرى في يوم ما هدنة تحدث بيننا في هذا المجال .. وأن يفسح هؤلاء الذين
يريدون أن يستولوا على كل الاهتمام ولفت الأنظار ليعطوا مساحة ومكان إلى هؤلاء
الذين يريدون أن يقدموا مواهبهم وطاقاتهم المصحوبة بعلمهم في شفاء البشرية الساقطة
المجروحة.
أترككم مع كتابات
كارل الممتعة من كتابه "طريقة حياة"
الإقتباس الأول: مقتطفات من "هل سنجرؤ على تجاوز
المهنية؟" (ص: 313- 317)
- التحدي الثالث الذي
أود ان اطرحه وخاصه على علماء النفس العياديين والاجتماعيين هو الامكانيه الجذريه
المتمثله في التخلي عن كل الاجراءات التي نتبعها في إطار المهنية؟
أنا أعلم مدى
هرطقة هذه الفكره ومدى الرعب الذي تُثيره في قلب كل فرد جاهد ليصير مهني، لكني رأيت
الحركات الضروريه للوصول للشهاده والرخصه والمحاولات المستميته لإستبعاد الكاذبين
والنصابين طوال عقود عديده، وفي رأيي المتواضع ان كلها قد فشلت في تحقيق هدفها ...
اتمنى لو كانت هناك وسيله لفصل المؤهل عن غير المؤهل والعامل الجاد على النصاب
والمستغل ونهاز الفرص، لكن دعونا ننظر في
عدة وقائع ... أنا حزين .... النصابين والمستغلين واللصوص الذين يحملون الشهادات
يعادلون في العدد اولئك الذين لا يحملونها ! دعوني أسألكم هذا السؤال الشخصي: لو
كان لك صديق حقيقي يحتاج لمساعده علاجيه واعطيتك اسم معالج يحمل شهاده في علم
النفس العيادي ودون معلومات أخرى هل سترسل صديقك اليه؟! بالطبع لا. ستريد أن تعرف
من هو كشخص وكمعالج ، فأنت تدرك ان ثمة العديد ممن يحملون الدبلومات ويعلقونها على
جدران مكاتبهم وهم لا يصلحون لممارسه المهنه ولا لقياده مجموعه ولا للمساعده في حل
مشاكل زواج .. الشهاده لا تعني الكفاءه ..
أفكر في تجربتي
الخاصه في الجماعات حيث يُظهر الأعضاء المستجدون حكمة بالغة عند تعاملهم مع الأفراد
الصعبين وفي المواقف الصعبه يتفوقون عليَّ وعلى كل الميسرين المحترفين القدامى
وتلك تجربه مهمه حين تراقب هذا او عندما أراقب أفضل القاده الذين عرفتهم لقياده المجموعات
المكونه من الازواج أفكر في رجل وامراه وليس بينهم من يحمل حتى بدايات مُرضيه من أوراق
الاعتماد خارج سوء الأوراق ... يوجد الكثير من الناس المؤهلين حقاً
لكن قد أسمع إعتراض: "وكيف سنوقف الدجالين الذين يستغلون البشر نفسيا ويحصلون عاده على
مكاسب ماديه كبيره؟" أحترم هذا التساؤل لكني اود لو اشرت الى نقطه هامه الا
وهي ان الشخص الذي يكون غرضه هو استغلال الاخرين يمكنه فعل هذا دون ان يطلق على
نفسه اسم عالم النفس، ان ايماني الصارم هو ان المعايير المهنيه الصارمه لا تفعل
شيئا كثيرا ولا تمنع حقا المستغلين او الدجالين ولو ركزنا على تطوير المعونة التي
نقدمها وتقديم معونه شخصيه حقا ذات درجه عاليه سيأتي الينا الأفراد ولن يذهبوا للغشاشين
النصابين. علينا مواجهه حقيقه انه عندما نتعامل مع البشر فان الشهاده لا تعني
المؤهل الحق لو قل تكبُرنا وغطرستنا لكان بوسعنا ان نتعلم الكثير من الفرد غير
المؤهل الذي يكون احيانا شديد البراعه في مجال العلاقات الانسانيه، وانا ادرك تماما ان الموقف الذي اتخذته به
العديد من الثغرات والمخاطر لكن طريق الشهاده والرخصه به اكثر، ولقد وصلت بعد عناء
الى استنتاج مفاده: أننا لو تخلصنا من "الخبير" و"المهني المؤهل
صاحب الدرجه" و "عالم النفس المرخص له" فقد نفتح مهنتنا ليدخل لها
نسيم الهواء العليل حاملا معه خفقه من الابداع الخلاق لم نعرف مثلها منذ أعوام. لقد أدت الرخص في كل المهن سواء الطب او التمريض
او التدريس او البناء او النجاره دائما الى تجميد المهنة وتضيق مجالها وربطها بالماضي
وحبطت التجريب والابتكار.
الإقتباس الثاني: مقتطفات من "المعركة مع الطب النفسي"
(ص: 85- 87)
"كانت معركتي
الاولى مع تصميم العديد من أعضاء مهنه الطب النفسي الذين كانوا يرفضون أن يمارس
الاخصائيين النفسيين مهنه العلاج النفسي. وأيضاً يرفضون ان يمنحوا الأخرين الفرصة لإدارة
مؤسسات العلاج النفسي وخاصه لو ضمت هذه المؤسسات أطباء نفسيين.
ولقد واجهت هذا
الرفض أول مره في روشستر بنيويورك عندما تم تحويل قسم دراسة الطفل الناجح للغايه
الذي كنت اعمل به عام 1939 الى مركز ارشاد روشستر المستقل،
فقد ظهرت للوجود عندئذ حمله ضخمه شديده ظاهرة
أحياناً وخفيه من وراء ستر احياناً أخرى لتنحيتي عن الإدارة وإحلال طبيب نفسي محلي.
لم يكن احد يسأل نفسه عن عملي وادائي،
كانت الحجج ببساطه ترتكز على فكره انه "لا يمكن للأخصائي النفسي ان يرأس
مؤسسه علاجيه .. لم يحدث هذا من قبل" هكذا قيل لي ورغم ان قسم دراسة الطفل
كان يعمل به أطباء نفسيين -ولو على أساس العمل بعض الوقت طوال اعوام طويله- فقد
قرر الاطباء النفسيين انهم لن يسمحوا للإخصائيين النفسيين بان يرأسوهم. لم يكن بوسعي ان أشير لأي سابقه مهمه وكذلك لم
يكن بوسعي ان احصل على دعم اي جماعه مهنيه .. كانت معركه شخصيه أخذها بشكل منفرد
...
وأنا جد ممتن
لمجلس الإدارة الذي كان يضم أفرادا عاديين لأنه إنتهى إلى حسم الصراع لمصلحتي،
كانت معركه مصير، حياة او موت بالنسبه لي لأنها تخص ما كنت افعله باقتدار وتؤثر في
العمل الذي كنت جد راغبا في استمراره .
وبعد فتره كمون إستمرت
خمس سنوات في جامعه ولاية أوهايو عاد الصراع بحدة أكبر في جامعه شيكاغو حين ذهبت عام 1945 . لم يكن أي
من رؤساء قسم علم النفس العلاجي في الجامعه والذين تعاقبوا في سرعه شديده على إستعداد
للتعاون مع مركز المشوره الناشئ غير التقليدي، وأخيراً طلب أحدهم من إدارة الجامعة
اغلاقه حيث أن اعضاءه يمارسون مهنه الطب (وبالتحديد العلاج النفسي) دون ترخيص. لم
يكن هناك أي دعم لما نمارسه من أنشطه من أي جماعه مهنيه سواء كانت الجمعية الأمريكية
لعلم النفس او اي جمعيه أخرى. وفي الحال قمت بهجوم معاكس صاعق باستخدام كل الدلائل
التي استطعت تجمعها ، ومره أخرى اشعر بإمتنان عميق وهذه المرة لمستشار الجامعة لإنفتاحه
واقتراحاته البناءة التي اقترحها على قسم علم النفس العلاجي وطلبه منهم إلغاء
طلبهم هذا وهو ما فعلوه.
كانت هاتان الحادثتان
هما الوحيدتين في تاريخ المهني حيث انخرطت في معركة واضحة والصراع مفتوح مع
المعالجين النفسيين. وفي معظم الوقت كنت أتبع إستراتيجية ذات وجهين: كنت احاول
التوفيق بين المهنتين من خلال هدفهم المشترك، وأيضا كنت أحاول ان أتحرك للأمام بسرعه
شديده حتى لا يكون بوسع اي فرد أن ينازع حق الباحثين النفسيين في ممارسه عملهم في
مجال اثبتوا في تفوقهم وريادتهم سواء على المستوى العملي او النظري.
ولكن عندما كنت أحصر في زاوية مثلما حدث لي في هاتين الحادثتين كنت أدافع عن نفسي بكل الفعالية التي تعلمها طفل في أسره بها 6 أطفال، وكان اولئك الذين عرفوا جانبي الرقيق او الهادئ يدهشون بشده من سلوكي وتعاملي في حاله الحرب المعلنة على كل الجبهات.
ويبدو أنه كان عليَّ
أن أرفع راية المستعمرات الأولى في الولايات المتحدة والتي كان مرسوما عليها حيه
ذات الأجراس شديدة السُمية ومكتوب عليها شعار "لا تدهسني!".
No comments:
Post a Comment