من الورود علمتني ...
فلعلي كدت أن أسقط
في فخ تعجل رؤية الثمار للفرح بها ..
ولعله ليس تعجلي،
بل هو طبيعتي الفطرية التي ترى الجمال قبل أن يحدث ويظهر للنور
ولكنها أيضا طبيعتنا
التي تدفعنا لتعجل الفرح، وللإبتعاد سريعا عن كل ما قد يعوق أو يبطئ هذا الفرح ..
فنحن نحب أن نضع الصور المليئة بالحب والإبتسامات .. ولكننا لا نتحدث عن الدموع
والتحديات ..
أصمت فقط للحظة وإسمع
نصائح كل من حولك "هيا .. متى ...خير البر عاجلُ .. هو العمر فيه كام لحظة؟ "
وغيرها من العبارات الطيبة في نيتها ولكنها قاتلة لمرحلة الإعداد لفرحة العمر الحقيقية ..
فهناك فرحة لم
يحكوا عنها لكثيرين .. وهي الفرحة برؤية عمل النعمة الخفية وهي تأتي بشخصان من
عالمان مختلفان تماماً .. لكل منهما ثقافته ومعتقداته وجيناته وبصماته ونجاحاته
وتحدياته .. لأ والأصعب: شخصان يحملان بداخلهما أثار السقوط والنفي من جنة عدن .. من
ذات وكبرياء وجراحات وتشوهات وأنانية خفية تقبع تحت سطح الأعمال والنيات الجميلة
والحقيقية ..مثل الثعبان النائم ولكنه يظهر للعلن في خضم الإحتكاك في المواقف القريبة
جداً والشخصية .. إنه عمل النعمة الهادئ لكنه عميق .. عمل قد يبدو بطئ إذا ما قورن برغبتنا المحمومة للإنجاز السريع.. حتى في أهم قرار في حياتنا ..
فكيف لمثل هذا الشخصان
أن يتعجلا الإكليل قبل أن ينتصروا أولاً في الجهاد؟ أوليس الإكليل يُعَد للمنتصرين
؟ ومن هم المنتصرون في هذه المرحلة إلا الذين أسلموا ذواتهم العنيدة لروح الرب
الساكن بداخلهم ليحملهم ويرفعهم فوق مرتفعاتهم .. ليُعلِّم يديهم القتال ..ليس ضد بعض
مثلما يفعل الأغلبية الأن .. ولكن بعضهم جنب بعض ضد العدو الأول الخفي الداخلي:
ذواتهم الساقطة، ثم ضد العدو الثاني الخفي أيضا: إبليس .. عدو العلاقات الإنسانية
..
فيأتي الفرح
الحقيقي عند رؤيتهم لعمل النعمة الخفي أيضاً (عن عيون الناس وعن عيون العدو وحتى
عن عيونهم هم أنفسهم في أوقات العمل) لتقوم النعمة بإستخدام وتحويل عندهم للإصرار
على الإنتصار على كل ما يمكنه أن يشكل عائق لإنجاح علاقتهم.. بما فيها طريقة تناولهم لإختلافاتهم .. ويوافقون على مد جذورهم لتتضافر سوياً
تحت سطح التربة .. فيشعرون ويرون بعيون جديدة في ظلام التربة في الوقت المناسب ما
كانت تقوم به النعمة لإزالة قشور الذات القديمة المعطله لرحلتهم .. ولإحياء وتفعيل الذات الجديدة التي خلقها فيهم الله بروحه .. ولإرواء نفوسهم العطشى للإتحاد
الذي يبهج قلب الإله .. فيمتصوا كل ما يسكبه الروح لتسديد إحتياجهم من حب حقيقي
باذل وتفاهم وتواضع وإنفتاح وكشف للأعماق المجروحة والنازفة .. إنه كشف يساعد على الإتحاد الإنساني الحقيقي
..هذا الإتحاد النادر الوجود .. والذي يُشفى فقط في تربة أساسها الإنفتاح
والمشاركة ... فيعطي ثبات وقوة و نضج حقيقي للنبتة ...
حتى يأتي الوقت الذي تخرج فيه النبتة الجميلة الشكل والبديعة الألوان .. ثمرتان مازالا مختلفتان لكنهما متناغمتان .. يتراقصان معاً ويتمايلان بخفة وتناسق أمام الرياح فلا ينقطعا عن بعضهما ولا ينخلعان من التربة .. يحمي كل منهما الأخر بثبات جذورهما معاً بإتحاد عميق .. وبنضارة أوراقهما يحميان بعضهما البعض من حرارة الغربة والتجارب.
إنها مرحلة التربة
المظلمة المخيفة للكثيرين ..لذا يهربون منها سريعا إلى ما يُسمى الفرح !! ولكن بدون هذه المرحلة لن يجدون طعم حقيقي
لهذا الفرح المُكلل .. السر الذي يجمع إثنان إجتهدا للإتحاد .. وليسا فقط ينتظران
الإتحاد بطريقة ساحرة خزعبلية .. فعمل الله لا ينفصل عن عمل الإنسان ... وعمل الإنسان يستحيل بدون الله.
أفتح عينيك وأنظر كم من أناس تعجلوا لتذوق الثمار قبل أن يتحملوا ألام غرس جذورهم معاً في تربة التشكيل والإتحاد .. ظانين أن وجود الأرضية المشتركة و مشاعر الحب هي علامات كافية للإنطلاق ناحية هذه الـ "هيا " ... ولكنهم يأتونني بعدها بسنوات قصرت أو طالت باكين مرارة الإختيار .. أو بؤس وشقاء مواجهة الواقع الذي لم يعدا أنفسهما له فتصادما به .. وبدل الـ "هيا" يبكون "الأهات ".
وبدلاً من أن يحاولوا في أن يفهموا دورهم في قتل النبتة .. و بدلاً من أن يبذلوا أي مجهود في التعاون لتغذيتها وحمايتها؛ يقوموا بخلع أنفسهم من التربة سريعاً بحثا عن وردة أخرى .. ظانين أنهم بذلك ربما سيجدون السعادة عندما يبحثوا عن ألوان أخرى جديدة دون الحاجة لمواجهة أي تعب أو مجهود .. فيهربون من وردة لأخرى .. فيخربون ليس فقط جمال أنفسهم، بل ويخبرون معهم التربة والورود التي تركوها خلفهم ...، أو ربما بعدم فهم وحكمة يلقون باللوم على المنظومة كلها .. ظانين أنهم بذلك قد ألقوا بمسئولياتهم بعيداً من على عواتقهم... ويفوتهم فرصة معرفة وتطوير وتحرير ذواتهم الحقيقية.
لذا عندما أقف أمام كل نبتة أنظر لجمالها سأتذكر أن جمالها ليس فقط في ألوانها وأوراقها .. ولكن أيضا في جذورها الخفية التي تحلمها .. والتربة الدافئة الحية التي تحتضنها وتعطيها حياة من خلال ثالثهما في هذه العلاقة .. الذي هو الله نفسه ..والذي سيظل يعمل فيهما في الخفاء طالما إستمرا في تسليم أنفسهما له .. ليعملا في تناغم مع خطته ... وليعكس من خلالهما عمله وجمال مجده.
أشكرك لما تعلمته منك شريكي في رحلة العمر والتغيير والتحرير
No comments:
Post a Comment